Green Book © Universal Pictures |
حين تُذكر أمريكا في ستينات القرن الماضي، يتجه ذهن المشاهد على الفور نحو التمييز العنصري ضد أصحاب البشرة السوداء، يحدث ذلك بسبب العدد الكبير من الأعمال الفنية المقدمة مؤخرًا التي تناولت تلك العنصرية البغيضة، وهو أمر متوقع ومنطقي أن نجده على الشاشة الآن، فما سبق وعانى منه أصحاب البشرة السوداء يستحق أن نزيح عنه الغطاء ليتعرّف الجميع على نماذج حفرت الصخر لتحقق المساواة والعدالة بين كل أفراد المجتمع.
ولكن بالرغم من حصول تلك الأعمال الفنية على العديد من الجوائز، إلا أنها تلاقي قبولًا أو نجاحًا جماهيريًا أقل، وذلك بسبب الطريقة التي تقدم بها، ليخرج العمل في نهاية الأمر بصورة حادة وربما مزعجة كقرع طبول مدوي نتمنى لو ينتهي لننعم بالهدوء. فعادةً ما يُقَدم لنا الفيلم كحربٍ دائرة بين الشياطين البيض والملائكة السود، وهو الأمر الذي يضع المشاهد في حالة تحفّز مستمر لا تسمح له بالتعلّق بالقصة بشكل كبير، فالحكاية كلها معركة يكسبها أصحاب البشرة السوداء في النهاية بعد معاناة طويلة ثم ينتهي كل شيء بعد ذلك.
Advertisements
ولكن الأمر هذه المرة مختلف، فقد قدم لنا فيلم الكتاب الأخضر نغمة هادئة ساحرة، تناولت التمييز العنصري ضد السود كباقي الأفلام، إلا أنها قدمت الأمر من خلال تفاصيل العلاقة الإنسانية المعقدة و المؤثرة بين الأبيض توني ليب الذي يقوم بدوره "فيجو مورتينسن" والأسود دون شيرلي الذي قام بدوره "ماهرشالا علي"، علاقة قوية تمر بالعديد من المنعطفات، التي سنتعرف عليها بالتفصيل من خلال جولة قصيرة مع الكتيب الأخضر هذا، دعنا نبدأها على الفور.
يحمل توني ليب الضخم الأبيض كمعظم أبناء جيله ووطنه نفس الأفكار والنظرة والتصرفات العنصرية ضد السود، نتعرف على تلك النظرة في البداية بصورة سريعة وقاطعة حين يقوم توني بالتخلّص من أكوابه الزجاجية في سلة المهملات بعد أن استخدمها اثنان من أصحاب البشرة السوداء!
توني ليب.. المخادع صاحب المبادئ!
Green Book © Universal Pictures |
حين ترغم الظروف توني ببنيته الضخمة وروحه الجريئة وعزة نفسه الشديدة على العمل لدى شخص أسود لمدة شهرين، حيث سيقوم بدور سائق وحارس شخصي لدون شيرلي في رحلته إلى الجنوب، للمشاركة في عدد من الحفلات الموسيقية، نتوقع هنا أن يشتغل الموقف، لنشاهد سلسلة من التصادمات لا تنتهي بين الطرفين، إلا أن ما يحدث هو عكس المتوقع! فالبرغم من البداية المشحونة بالتوتر، إلا أننا نكتشف كما يكتشف توني أنه يحمل قدرًا من الإنسانية والجرأة تمكنه من تغيير أفكاره عندما تُثبت التجربة عدم صحتها، لتتحول العلاقة المعقدة تدريجيًا إلى رفقة طيبة توطد صداقة قوية تمتد حتى نهاية العمر.
Advertisements
دون شيرلي.. الغاضب كبُركان لن يثور
Green Book © Universal Pictures |
Green Book © Universal Pictures |
في النهاية ومع الأحداث السلسة والإنسانية نستطيع أن ندرك مدى التغير الواقع لكل طرف بسبب الآخر، كما سنكتشف مع توني ليب و دون شيرلي أنه بالرغم من الإختلاف الكبير بينهما إلا أنهما على ما يبدو يحملان نقاط تشابه أكثر مما كانا يظنا وكنا نظن معهما.
Advertisements
ما بين حوار مدروس وأداء حركي مميز بتفاصيله الدقيقة نستطيع تحقيق معادلة النجاح
بالإضافة إلى ما يقدمه لنا الفيلم من جمل حوارية موظفة بعناية، لدعم الفكرة الإنسانية للفيلم، فقد كان الأداء الجسدي والحركي لأبطال الفيلم "فيجو مورتينسن" و "ماهرشالا علي" متوّجا بتفاصيل داعمة للكلمات المكتوبة والحالة المعروضة على الشاشة، فمع ذلك الأداء الحركي المميز للأبطال تستطيع أن تتعرف بسهولة على طبيعة شخصياتهما قبل حتى أن تستمع لكلماتهما المؤثرة.إيقاع بطيء لابد منه
Green Book © Universal Pictures |
Advertisements
الفيلم مقتبس من القصة الحقيقية لحياة عازف البيانو الأمريكي من أصل أفريقي دون شيرلي، الذي ظل على علاقة صداقة قوية مع توني ليب إلى أن توفى هذا الأخير في 4 يناير عام 2013 ليلحقه الأول بعد ثلاثة أشهر تقريبًا في 6 أبريل 2013، ليحققا بذلك نهاية تليق بصداقتهما الغريبة والإنسانية جدًا.
فاز الفيلم بعدد كبير من الجوائز ومرشح للفوز بجائزة الأوسكار عن خمسة فئات، من بينها أفضل فيلم وأفضل نص سينمائي أصلي وأفضل ممثل. الفيلم من بطولة فيجو مورتينسن و ماهرشالا علي، سيناريو وحوار بريان هايز كوري و بيتر فاريلي و نيك فاليلونجا، وإخراج بيتر فاريلي.